إدارة الدراسات الإسلامية وعلوم القرآن لمحافظتي الفروانية والجهراء
نبيّ الرحمة

نبيّ الرحمة

08 أغسطس 2024

ولد رسول الله وخاتم النبيين محمد بن عبد الله الهاشمي القرشي المكنى بأبي القاسم، في مكة المكرمة في الثاني عشر من ربيع الأول من السنة الثالثة والخمسين قبل الهجرة الموافق الثاني والعشرين من ابريل لعام 571 للميلاد. وتسمى السنة التي ولد بها بعام الفيل نسبة للفيل الذي حاول ابرهة الحبشي استخدامه لهدم الكعبة المشرفة. ونشأ النبي العدنان في أسرة كريمة في قبيلة شريفة برعاية إلهية، فترعرع وكبر عليه الصلاة والسلام مكتملا الخِصال والصفات. ومن صفات كماله عليه الصلاة والسلام خُلق الرحمة، والرحمة هي عنوان رسالته، قال الله تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ" (الأنبياء: 107). وقد تجلت هذه الصفة النبيلة في النبي الأكرم في جميع جوانب حياته ومعاملاته، فكان رحيما بالكبير والصغير، بالذكر والأنثى، بالصديق والعدو، بالمؤمن والكافر، بل تجاوزت رحمته وعطفه إلى الجمادات والبهائم والحيوانات.

رحمته بالنساء

المراءة بطبيعتها عاطفية ضعيفة البنية والنفسية، لذا كانت العناية بالنساء والرفق بهن أكد وأوجب. وقد تجلى هذا بخلق النبي وسيرته، فكان عليه الصلاة والسلام يحث على رعاية البنات والإحسان إليهن، قال عليه الصلاة والسلام: "مَن كانَ لَهُ ثلاثُ بَناتٍ فصبرَ عليهنَّ، وأطعمَهُنَّ، وسقاهنَّ، وَكَساهنَّ مِن جِدَتِهِ كنَّ لَهُ حجابًا منَ النَّارِ يومَ القيامَةِ." (رواه ابن ماجه وأحمد).

وكان يشدد في حق الزوجة والاهتمام بها، قال عليه الصلاة والسلام: "ألا واستوصوا بالنساء خيرًا، فإنما هن عوانٌ عندكم. ليس تملكون منهن شيئًا غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشةٍ مبينة. فإن فعلن فاهجروهن في المضاجعِ واضربوهن ضربًا غير مبرِّحٍ. فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلًا. ألا إنَّ لكم على نسائكم حقًّا. ولنسائكم عليكم حقًّا. فأما حقُّكم على نسائكم فلا يوطئنَ فرُشَكم من تكرهون ولا يأذنَّ في بيوتكم لمن تكرهون. ألا وحقُّهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن." (رواه الترمذي).

وكان لطيفاً رحيماً بأهل بيته فكان يجلس عليه الصلاة والسلام عند بعيره فيضع ركبته وتضع أم المؤمنين صفية رجلها على ركبته حتى تركب. وكان إذا دخلت عليه ابنته فاطمة الزهراء قام إليها فأخذ بيدها فقبلها وأجلسها في مجلسه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما رأيتُ أحدًا كانَ أشبَه سمتًا وَهديًا ودلًّا برسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ من فاطمةَ كانت إذا دخلت عليهِ قامَ إليها فأخذَ بيدِها وقبَّلَها وأجلسَها في مجلسِه وَكانَ إذا دخلَ عليها قامت فأخذت بيدِه فقبَّلتهُ وأجلستهُ في مجلسِها." (رواه أبو داوود والترمذي).

وكان عليه الصلاة والسلام يعين أهله في البيت، فعندما سُئِلَت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عما كان يصنع النبي في بيته قالت: "كانَ في مِهْنَةِ أهْلِهِ، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ قَامَ إلى الصَّلَاةِ." (رواه البخاري).

رحمته بالصغار

كان النبي عليه الصلاة والسلام عطوفاً رحيماً بالأطفال، يضمهم ويقبلهم ويلاعبهم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قَبَّلَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ وعِنْدَهُ الأقْرَعُ بنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسًا، فَقَالَ الأقْرَعُ: إنَّ لي عَشَرَةً مِنَ الوَلَدِ ما قَبَّلْتُ منهمْ أحَدًا، فَنَظَرَ إلَيْهِ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ثُمَّ قَالَ: مَن لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ." (متفق عليه).

وكان إذا سمع عليه الصلاة والسلام في صلاته بكاء الصغير أسرع في أدائها وخففها رحمة بالصغير وأمه، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "ما صَلَّيْتُ ورَاءَ إمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلَاةً، ولَا أَتَمَّ مِنَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وإنْ كانَ لَيَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فيُخَفِّفُ مَخَافَةَ أَنْ تُفْتَنَ أُمُّهُ." (متفق عليه).

وكان عليه الصلاة والسلام يداعب ويمازح الصغار، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كانَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وكانَ لي أخٌ يُقَالُ له: أبو عُمَيْرٍ - قالَ: أحْسِبُهُ - فَطِيمًا، وكانَ إذَا جَاءَ قالَ: يا أبَا عُمَيْرٍ، ما فَعَلَ النُّغَيْرُ؟ نُغَرٌ كانَ يَلْعَبُ به، فَرُبَّما حَضَرَ الصَّلَاةَ وهو في بَيْتِنَا، فَيَأْمُرُ بالبِسَاطِ الذي تَحْتَهُ فيُكْنَسُ ويُنْضَحُ، ثُمَّ يَقُومُ ونَقُومُ خَلْفَهُ، فيُصَلِّي بنَا." (متفق عليه).

وكان عليه الصلاة والسلام يهتم بالصغير، فقد صلى مرة وهو حامل حفيدته أمامة بنت زينب، فكان إذا ركع وضعها وإذا قام حملها، عن أبو قتادة الحارث رضي الله عنه قال: "خَرَجَ عَلَيْنَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأُمَامَةُ بنْتُ أبِي العَاصِ علَى عَاتِقِهِ، فَصَلَّى، فَإِذَا رَكَعَ وضَعَ، وإذَا رَفَعَ رَفَعَهَا." (متفق عليه).

وكان يحمل الصغار ويصبر على أذاهم، عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُؤْتَى بالصِّبْيَانِ فَيَدْعُو لهمْ، فَأُتِيَ بصَبِيٍّ فَبَالَ علَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا بمَاءٍ فأتْبَعَهُ إيَّاهُ، ولَمْ يَغْسِلْهُ." (متفق عليه).

وكان عليه الصلاة والسلام يحزن لوفاة الصغار، مع الرضا والتسليم، والصبر والاحتساب، فلما مات حفيده صلى الله عليه وسلم فاضت عيناه، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: "كُنَّا عِنْدَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذْ جَاءَهُ رَسولُ إحْدَى بَنَاتِهِ، يَدْعُوهُ إلى ابْنِهَا في المَوْتِ، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ارْجِعْ إلَيْهَا فأخْبِرْهَا أنَّ لِلَّهِ ما أخَذَ وله ما أعْطَى، وكُلُّ شيءٍ عِنْدَهُ بأَجَلٍ مُسَمًّى، فَمُرْهَا فَلْتَصْبِرْ ولْتَحْتَسِبْ، فأعَادَتِ الرَّسُولَ أنَّهَا قدْ أقْسَمَتْ لَتَأْتِيَنَّهَا، فَقَامَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وقَامَ معهُ سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ، ومُعَاذُ بنُ جَبَلٍ، فَدُفِعَ الصَّبِيُّ إلَيْهِ ونَفْسُهُ تَقَعْقَعُ كَأنَّهَا في شَنٍّ، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، فَقالَ له سَعْدٌ: يا رَسولَ اللَّهِ، ما هذا؟ قالَ: هذِه رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ في قُلُوبِ عِبَادِهِ، وإنَّما يَرْحَمُ اللَّهُ مِن عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ." (متفق عليه).

رحمته بملك اليمين

كان عليه الصلاة والسلام يهتم بأمر ملك اليمين اهتماما كبيرا وأوصى بالعناية بهم وحفظ حقوقهم وعدم إهانتهم أو الحط من قدرهم، وكان يأمر السيد بإطعام مملوكه مما يطعم به نفسه، ويلبسه مما يلبس، ولا يكلفه بما لا يطيق، فعن المعرور رضي الله عنه قال: "رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ وَعليه حُلَّةٌ، وعلَى غُلَامِهِ مِثْلُهَا، فَسَأَلْتُهُ عن ذلكَ، قالَ: فَذَكَرَ أنَّهُ سَابَّ رَجُلًا علَى عَهْدِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَعَيَّرَهُ بأُمِّهِ، قالَ: فأتَى الرَّجُلُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ ذلكَ له، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: إنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إخْوَانُكُمْ وَخَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فمَن كانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدَيْهِ، فَلْيُطْعِمْهُ ممَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ ممَّا يَلْبَسُ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ ما يَغْلِبُهُمْ، فإنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فأعِينُوهُمْ عليه." (رواه البخاري).

وكان الاهتمام بملك اليمين وتقوى الله بهم من آخر وصاياه التي أوصى بها الأمة وهو في مرض موته عليه الصلاة والسلام، وجاءت وصيته بملك اليمين مقرونة بوصيته بالصلاة وذلك دلالة على حرصه عليهم، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "كان آخرُ كلامِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ الصلاةَ الصلاةَ، اتقوا اللهَ فيما ملكت أيمانُكم." (رواه أبو داوود وأحمد).

رحمته بالخدم

كان عليه الصلاة والسلام طيب الشمائل حسن المعشر يهتم بالخدم ومشاعرهم ولا يسيء إليهم بالفعل أو القول ولا يعتب عليهم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتَى أحَدَكُمْ خادِمُهُ بطَعامِهِ، فإنْ لَمْ يُجْلِسْهُ معهُ، فَليُناوِلْهُ لُقْمَةً أوْ لُقْمَتَيْنِ، أوْ أُكْلَةً أوْ أُكْلَتَيْنِ؛ فإنَّه ولِيَ عِلاجَهُ." (متفق عليه). وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "خدَمْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَشْرَ سِنينَ، فما قال لي لشيءٍ فعَلْتُه: لِمَ فعَلْتَه؟ ولا لشيءٍ لم أفعَلْه: ألَا فعَلْتَه؟ وكان بعضُ أهلِه إذا عتَبَني على شيءٍ يقولُ: دعُوه؛ فلو قُضِيَ شيءٌ لكانَ." (رواه مسلم). وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما ضَرَبَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ شيئًا قَطُّ بيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا خَادِمًا؛ إلَّا أَنْ يُجَاهِدَ في سَبيلِ اللهِ، وَما نِيلَ منه شَيءٌ قَطُّ، فَيَنْتَقِمَ مِن صَاحِبِهِ؛ إلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيءٌ مِن مَحَارِمِ اللهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ." (رواه مسلم)..

رحمته بالأرامل واليتامى والمساكين

كان عليهم الصلاة والسلام يحث على القيام بحاجات الأرامل والمساكين، وشبه القائم بحاجتهم بالمجاهد في سبيل الله وبالصوام القوام، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "السَّاعِي علَى الأرْمَلَةِ والمِسْكِينِ، كالْمُجاهِدِ في سَبيلِ اللَّهِ، أوِ القائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهارَ." (متفق عليه).

 وكان يحب اليتامى ويعطف عليهم ويحث على كفالتهم، عن سهل بن سعد الساعدي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "َأنا وكافِلُ اليَتِيمِ في الجَنَّةِ هَكَذا وأَشارَ بالسَّبَّابَةِ والوُسْطَى، وفَرَّجَ بيْنَهُما شيئًا." (رواه البخاري).

رحمته بالضعفاء والمحتاجين

كان عليه الصلاة والسلام يحث على مساعدة الضعيف والمحتاج وتفريج الهم والكرب عن الآخرين، ويؤكد على أنها من أسباب النُصرة والرزق في الدنيا والآخرة، عن مصعب بن سعد رضي الله عنه قال: "رَأَى سَعْدٌ رَضِيَ اللَّهُ عنْه أنَّ له فَضْلًا علَى مَن دُونَهُ، فَقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هلْ تُنْصَرُونَ وتُرْزَقُونَ إلَّا بضُعَفَائِكُمْ." (رواه البخاري). وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَن نَفَّسَ عن مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِن كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عنْه كُرْبَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، وَمَن يَسَّرَ علَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللَّهُ عليه في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَن سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللَّهُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ..." (رواه مسلم).

رحمته بالأسرى والأعداء

كان عليه الصلاة والسلام رحيما بالأسرى يأمر بإطعامهم وكسوتهم والإحسان إليهم، وكثيرا ما يكون حسن تعامله مع الأسرى والأعداء سبباً من أسباب دخولهم للإسلام وهدايتهم للحق، كما حصل مع سيد بني حنيفة ثمامة بن أثال، الذي أسره المسلمون وجاءوا به للمدينة، فأمر عليه الصلاة والسلام أن يُربَطَ ثمامة في سارية من سواري المسجد، وكانت حكمة النبي من ذلك أن يرى ثمامة المسلمين وهم يؤدون شعائر الإسلام فيتأثر ويلين قلبه ويدخله الإيمان، وبعد يومين أمر النبي بإطلاق سراحه وعفى عنه، فاغتسل ثمامة ثم أعلن إسلامه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " بَعَثَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ برَجُلٍ مِن بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ له: ثُمَامَةُ بنُ أُثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بسَارِيَةٍ مِن سَوَارِي المَسْجِدِ، فَخَرَجَ إلَيْهِ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقَالَ: ما عِنْدَكَ يا ثُمَامَةُ؟ فَقَالَ: عِندِي خَيْرٌ يا مُحَمَّدُ؛ إنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وإنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ علَى شَاكِرٍ، وإنْ كُنْتَ تُرِيدُ المَالَ فَسَلْ منه ما شِئْتَ، فَتُرِكَ حتَّى كانَ الغَدُ، ثُمَّ قَالَ له: ما عِنْدَكَ يا ثُمَامَةُ؟ قَالَ: ما قُلتُ لَكَ: إنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ علَى شَاكِرٍ، فَتَرَكَهُ حتَّى كانَ بَعْدَ الغَدِ، فَقَالَ: ما عِنْدَكَ يا ثُمَامَةُ؟ فَقَالَ: عِندِي ما قُلتُ لَكَ، فَقَالَ: أطْلِقُوا ثُمَامَةَ. فَانْطَلَقَ إلى نَجْلٍ قَرِيبٍ مِنَ المَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ المَسْجِدَ، فَقَالَ: أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، يا مُحَمَّدُ، واللَّهِ ما كانَ علَى الأرْضِ وجْهٌ أبْغَضَ إلَيَّ مِن وجْهِكَ، فقَدْ أصْبَحَ وجْهُكَ أحَبَّ الوُجُوهِ إلَيَّ، واللَّهِ ما كانَ مِن دِينٍ أبْغَضَ إلَيَّ مِن دِينِكَ، فأصْبَحَ دِينُكَ أحَبَّ الدِّينِ إلَيَّ، واللَّهِ ما كانَ مِن بَلَدٍ أبْغَضُ إلَيَّ مِن بَلَدِكَ، فأصْبَحَ بَلَدُكَ أحَبَّ البِلَادِ إلَيَّ، وإنَّ خَيْلَكَ أخَذَتْنِي وأَنَا أُرِيدُ العُمْرَةَ، فَمَاذَا تَرَى؟ فَبَشَّرَهُ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأَمَرَهُ أنْ يَعْتَمِرَ، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ له قَائِلٌ: صَبَوْتَ! قَالَ: لَا، ولَكِنْ أسْلَمْتُ مع مُحَمَّدٍ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولَا واللَّهِ، لا يَأْتِيكُمْ مِنَ اليَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حتَّى يَأْذَنَ فِيهَا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ." (رواه البخاري).

وكان النبي عليه الصلاة والسلام رحيماً حتى بأعدائه، فعندما حبس ثمامة حنطة اليمامة عن أهل مكة، طلبوا من النبي أن يكتب إلى ثمامة أن يخلي بينهم وبين ميرتهم، فاستجاب النبي لطلبهم بالرغم من أنهم كانوا ألد أعدائه وفي حرب معه ومع المسلمين، فكتب النبي عليه الصلاة والسلام إلى ثمامة أن خَلِّ ببن قومي وبين ميرتهم، فامتثل ثمامة أمر النبي وسمح لبني حنيفة استئناف التجارة وإرسال المحاصيل إلى مكة، فارتفع عن أهلها الخوف من المجاعة.

كما تجلت رحمته عليه الصلاة والسلام بأعدائه عند فتح مكة، حيث عفى عن أهلها الذين حاربوه وحاربوا دعوته طوال 23 سنة، وأطلقهم ولم ينكل بهم أو يسترقهم.

رحمته بالبهائم والحيوانات

شملت رحمة النبي عليه الصلاة والسلام الحيوانات والبهائم، فأوصى بالرفق بها وعدم إجهادها وتحميلها مالا تطيق، وحذر من عاقبة ترويعها وتعذيبها والتعدي عليها، عن عبدالله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ في هِرَّةٍ سَجَنَتْها حتَّى ماتَتْ، فَدَخَلَتْ فيها النَّارَ، لا هي أطْعَمَتْها ولا سَقَتْها، إذْ حَبَسَتْها، ولا هي تَرَكَتْها تَأْكُلُ مِن خَشاشِ الأرْضِ." (متفق عليه). وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: "كنا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في سفرٍ فانطلق لحاجته فرأينا حمَّرةً معها فرخان فأخذْنا فرخَيها فجاءت الحُمَّرةُ فجعلت تفرشُ فجاء النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال من فجع هذه بولدِها؟ رُدُّوا ولدَها إليها. ورأى قريةَ نملٍ قد حرقناها، فقال: من حرقَ هذه؟ قلنا: نحن، قال: إنه لا ينبغي أن يعذِّبَ بالنارِ إلا ربُّ النارِ." (أخرجه أبو داوود).

كما أمر عليه الصلاة والسلام بالإحسان إلى الذبيحة وإراحتها عند الذبح، نفسياً عن طريق اقتيادها للذبح برفق وعدم ذبح أختها أمامها، وجسديا عن طريق حد الشفرة لتتم عملية النحر بسرعة ويسر. عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: "ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُما عن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإحْسَانَ علَى كُلِّ شيءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فأحْسِنُوا القِتْلَةَ، وإذَا ذَبَحْتُمْ فأحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ." (رواه مسلم).

رحمته بالجمادات

كان النبي رحيماً حتى بالجمادات، فكان عليه الصلاة والسلام يستند على جذع نخلة في المسجد وهو يخطب بالناس، ثم عندما بنيّ له منبراً استعمله وترك الاستناد على الجذع، فسمع الصحابة صوت حنين وحزن يخرج من الجذع، فلما وضع النبي عليه الصلاة والسلام يده الطاهرة عليه سكت الصوت، عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: "كانَ المَسْجِدُ مَسْقُوفًا علَى جُذُوعٍ مِن نَخْلٍ، فَكانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا خَطَبَ يَقُومُ إلى جِذْعٍ منها، فَلَمَّا صُنِعَ له المِنْبَرُ وكانَ عليه، فَسَمِعْنَا لِذلكَ الجِذْعِ صَوْتًا كَصَوْتِ العِشَارِ، حتَّى جَاءَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا فَسَكَنَتْ." (رواه البخاري).

هذا هو محمد؛ نبي الرحمة عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، خلقه الرحمة، وسيرته رحمة، وشريعته رحمة ويدعو إلى الرحمة. وهو رحمة للخلق جميعاً، كما قال الله تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ" (الأنبياء: 107).

كتبه: مصعب العوضي

إدارة الدراسات الإسلامية وعلوم القرآن لمحافظتي الفروانية والجهراء